الشريط الإخباري

اليمن: رحى حرب إقتصادية تدور بين طرفي الصراع

وهج نيوز/ إقتصاد

    فردوس الكاملي :

كشف تقرير صدر قبل يومين للكاتبة والصحفية هيلين لاكنر_ وهي باحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ، وكخلاصة لعملها خمسة عقود في اليمن،  كشف التقرير مآلات الأزمة الإقتصادية في اليمن وإنعكاسها على عملية السلام وتأثيرها على الفرد.

التقرير الذي حمل عنوان "دولة متشرذمة: كيف يمكن للأوروبيين المساعدة في إنهاء الصراع في اليمن"، ذكر أن الإقتصاد اليمني في حالة من السقوط الحر منذ بدء الحرب ، مما أدى إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50 في المائة، وبحلول عام 2021 انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من مستوى ما قبل الحرب البالغ 1600 دولار إلى 630 دولارًا.

تقول معدة التقرير هيلين لاكنر وهي مؤلفة كتاب "اليمن: الفقر والصراع" وكتاب "اليمن في أزمة: الصراع المدمر والأمل الهش"، تقول رغم أن جودة هذا المؤشر قابلة للنقاش، إلا أنها تدل على تدهور كبير في مستويات المعيشة للسكان.

وتضيف: زاد الوضع سواء ضعف التمويل من قبل الدول المساهمة في خطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية، وهي واحدة من أكبر خطط الاستجابة الإنسانية في العالم، مما أدى  إلى تدهور الظروف المعيشية للسكان في وقت تندر فيه الوظائف، وتدني الدخل، وترتفع الأسعار بشكل كبير، دون إحراز أي تقدم في الاقتصاد على مدى ثمانية أعوام مضت، ولا في تحسين الظروف المعيشية الأساسية للناس على الأرض، وفي المقابل زيادة عدد المستفيدين الذين يزدهرون من استمرار اقتصاد الحرب، مما يجعل فرص السلام ضئيلة أو منعدمة.

الحرب الاقتصادية
وفي القسم المخصص للمجال الاقتصادي والمالي، أشارت لاكنر إلى أنه بجانب الصراع العسكري، تدور رحى حرب اقتصادية بين قوات الحكومة الشرعية والحوثيين، في قطاعين، في المقام الأول مالي: إذ يوجد الآن بنكان مركزيان منفصلان ومتنافسان، وهو وضع أدى إلى اختلاف كبير في أسعار الصرف، وهذا يؤثر  بشكل كبير على حياة المواطنين، خاصة فيما يتعلق بتكلفة السلع الأساسية المستوردة، وهو عامل مهم بشكل خاص في بلد يستورد الغالبية العظمى من المواد الغذائية الأساسية.

أما القطاع الثاني فهو حصار التحالف بقيادة السعودية لموانئ البحر الأحمر ، مما يؤثر على استيراد الغذاء والوقود لأكثر من ثلثي السكان الذين يعيشون تحت حكم الحوثيين، ورغم الجهود الأوروبية وغيرها من الجهود الدولية لمعالجة هذه المشاكل، لم تصل تلك الجهود إلى حد كبير حتى الآن، إلى معالجة المشكلة، في حين يجب أن تكون عملية التنمية السياسية والاقتصادية طويلة المدى جزءًا من معالجة هذه القضايا.

الصراع المالي
وعن الصراع المالي تقول لاكنر، كانت الحكومة الشرعية أكثر فعالية على الصعيد المالي مما كانت عليه في حملاتها العسكري، رغم أن هذا النجاح النسبي كان له عواقب سلبية على السكان المقيمين في منطقتها.

وتضيف في سبتمبر 2016، نقلت الحكومة الشرعية رسمياً إدارة العمليات من البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، على أمل أن يؤدي ذلك إلى شل تمويل الحوثيين، إلا أن هذه الخطوة جعلت المعاملات المالية أكثر صعوبة بالنسبة للحكومة الشرعية، والهيكل المالي للحوثيين لم ينهار، واحتفظ البنك المركزي في صنعاء بالسيطرة على عمليات الشركات والبنوك الرئيسية في البلاد، والتي يقع مقرها الرئيسي في نطاق سيطرة سلطات الأمر الواقع الحوثية، وبالتالي غدت الحكومة الشرعية مضطرة للامتثال لمطالب الحوثيين. هذا رغم  أن البنك المركزي في عدن يتحكم في الوصول إلى نظام SWIFT وعلاقة الدولة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وفيما يخص انهيار المالية العامة، قالت لاكتر، حاولت الحكومة الشرعية الرد على خسارة الدخل منذ بدء الحرب، جراء انخفاض صادرات النفط الخام، بطباعة مليارات الريالات اليمنية، ليتم الآن تداول عملتين بشكل فعال. وحقيقة اختلاف العملات الورقية الجديدة عن القديمة، مكنت الحوثيين من جعل استخدامها غير قانوني في المنطقة الخاضعة لسيطرتها، وهو الإجراء الذي طبقوه بصرامة منذ ديسمبر 2019. ونتيجة لذلك أدى معدل انخفاض قيمة الريال إلى زيادة تباعدت بشكل كبير بين المنطقتين. إذ استقر سعر صرف الدولار الواحد عند 600 ريال يمني ومنذ وقت مبكر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث ظل ثابتًا نسبيًا، وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الشرعية، كان الاستهلاك سريعًا ودراميًا ومتقلبًا وفقًا لتوقعات الدعم المالي من الشركاء في التحالف، وخاصة المملكة العربية السعودية، وهبطت سعر صرف العملة المحلية إلى أكثر من 1700 ريال يمني للدولار الواحد.

وتضيف لاكنر منذ إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، كان يحوم سعر صرف العملة المحلية عند 1100 ريال يمني للدولار الأمريكي الواحد، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع تكاليف المعيشة الأساسية للأشخاص في المناطق التي تسيطر عليها الشرعية وكذلك الحوثيين، وكان التأثير الأكبر على غالبية الأشخاص الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى العملة الصعبة من التحويلات (معظمهم من المملكة العربية السعودية بالريال السعودي) أو الأقارب الذين يدفعون بالدولار الأمريكي الذين يعملون في المنظمات الدولية الموجودة في البلاد.

الرواتب
وعن قضية الرواتب تقول لاكنر، كانت قضية رواتب 1.2 مليون شخص من موظفي الحكومة في اليمن في طليعة الألتزامات التي تعهدات بها الحكومة الشرعية من أجل السيطرة على البنك المركزي اليمني. منذ سبتمبر 2016، ولكنها لم  تستطيع الوفاء بها حيث تم دفع بضعة رواتب فقط بشكل متقطع ثم توقفت كليا، مما أضر بدخول الأسر لما يصل إلى 7 ملايين شخص.

وفي المقابل سعى الحوثيون إلى زيادة دخلهم من خلال زيادة الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى، بما في ذلك تلك المدفوعة في فرع الحديدة للبنك المركزي، وكانت مطالبة الحوثيين بإدراج كوادرهم العسكرية والأمنية في قائمة المستفيدين من الدخل من عائدات النفط هو المسمار الأخير في نعش تجديد الهدنة في أكتوبر 2022، ومما لا يثير الدهشة، أن هذا كان غير مقبول  للحكومة الشرعية وداعميها.

ولفتت لاكنر إلى أنه أعقب انتهاء الهدنة على الفور تهديد الحوثيين بمهاجمة السفن المصدرة للنفط من اليمن_ هجمات تحذيرية على سفن تنوي التحميل من موانئ تصدير النفط الجنوبية، ونتيجة لذلك توقفت شركات النفط عن العمل في اليمن- مما يعني أن الحوثيين حققوا هدف هجماتهم، وفي الوقت نفسه لا يوجد حل في الأفق لضمان دفع رواتب منتظمة لموظفي الحكومة، ولا لإنهاء مشكلة العملات المتنافسة والتأثيرات الأوسع على تكلفة بقاء اليمنيين العاديين.

المشاكل الأساسية للاقتصاد
وتقول لاكنر، إن العواقب الاقتصادية للصراع على الناس العاديين وخيمة، وقد شهدت الغالبية العظمى من اليمنيين تدهوراً هائلاً في ظروفهم المعيشية، ويتجلى ذلك في تكلفة الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة والتي ارتفعت بأكثر من 150 في المائة منذ عام 2015 عندما بدأت الحرب، وفي الوقت نفسه انخفض الدخل.

وتضيف خلال عام 2022، ساء الوضع أكثر نتيجة لعدد من العوامل: انخفاض المساهمات لخطة الأمم المتحدة للاستجابة الإنسانية، والتي بلغت حتى 2 ديسمبر فقط 55 في المائة من المتطلبات، قابلها انخفاض كبير في المساهمات من المملكة العربية السعودية (التي مولت ما يقرب من 10 في المائة من المبلغ الإجمالي) والإمارات العربية المتحدة (ما يقرب من 1 في المائة) من المبلغ الإجمالي).

وأفادت بأن الحرب في أوكرانيا أدت إلى زيادة تكلفة واردات القمح والوقود، وأن الهدنة التي استمرت ستة أشهر لم تفعل سوى القليل جدًا للتخفيف من حدة الوضع الإنساني، مما يعني أن ملايين اليمنيين ظلوا أكثر تركيزًا على مشاكلهم الاقتصادية والبقاء على قيد الحياة، مما وضع عملية السلام في مقدمة اهتماماتهم.

وأضافت تضاءل الدخل الذي يحققه الناس من الزراعة بسبب مجموعة من العوامل، بما في ذلك القتال، وتأثير تغير المناخ سوءًا، وزيادة التكلفة والقيود المفروضة على الإمداد بالمدخلات، وعدم كفاية إمدادات المياه والوقود. علاوة على ذلك، أدى انخفاض القوة الشرائية المحلية إلى انخفاض الطلب المحلي.

مستغلو الحرب
تقول لاكنر المستفيدون من الحرب في اليمن يتنوعون بين قادة عسكريين في جماعة الحوثيين وكذلك الحكومة الشرعية، والذين يدرجون "الجنود الأشباح" في كشوف رواتبهم، والبعض الآخر تجار وقود في مناطق صرفي الصراع.

تضيف: يتضمن اقتصاد الحرب أيضًا شبكة متنامية من نقاط التفتيش في جميع أنحاء البلاد والتي تمكن أصحاب السلطة المحليين من جمع الأموال، وفي بعض الحالات يتم استخدام هذا الدخل لتعويض رواتب الحكومة غير المدفوعة، لكن الأثر الرئيسي كان- بالإضافة إلى تعزيز التجزئة - في رفع أسعار الضروريات الأساسية لسكان اليمن المعوزين بشكل متزايد، فقد جعلت نقاط التفتيش نقل البضائع يتم عبر طرق غير مسبوقة، مما يزيد من تكاليف الوقود وسعره النهائي - بينما يشجع أيضًا على إنشاء نقاط تفتيش إضافية.

تدهور إنتاج الموارد الطبيعية

وعن الموارد الطبيعية تقول لاكتر في الواقع، تشمل مشاكل اليمن الأساسية قضية الموارد الطبيعية المحدودة، وعلى وجه الخصوص ندرة المياه، التي تؤثر على المجتمع والاقتصاد وتهدد وجود اليمن كبلد صالح للسكن.

وتشير إلى حدوثك هجرة قسرية بالفعل من بعض المناطق، مما تسبب في ضغوط إضافية على جميع الموارد في الأماكن التي يغادر الناس إليها؛ وأشهر الحالات في محافظتي البيضاء وتعز. يتم استخدام حوالي 90 في المائة من مياه اليمن في الزراعة، وقد تم استخدام الكثير من المياه المسحوبة من طبقات المياه الجوفية الأحفورية في الزراعة المروية لإنتاج المحاصيل الموجهة للتصدير. ويأتي ذلك في أعقاب سياسات إنمائية غير ملائمة روجت لها وكالات عالمية مهيمنة، والتي أدت في نفس الوقت إلى إفقار أصحاب الحيازات الصغيرة وتفاقم الوضع الاقتصادي العام.

النفط الخام والغاز
تذكر لاكنر، بأنه قبل الحرب كان متوسط ​​إنتاج النفط باليمن في حدود 150 ألف برميل يوميًا، وانخفض هذا إلى حوالي 55 ألف برميل يوميًا بحلول عام 2021، وهو ما يمثل زيادة طفيفة عن عام 2020 حيث كان بحدود 50 ألف برميل يوميا، ولكنه بعيد عن أن يكون كافياً لحل قيود الميزانية الحكومية.

وتضيف حتى دخل اليمن من استغلال الغاز، الذي بدأ فقط في عام 2009، توقف في مارس 2015 عندما توقفت الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، مشروع تسييل الغاز الطبيعي الوحيد في البلاد، عن العمل بسبب قوة قاهرة، وعند إعادة التشغيل، من غير المحتمل أن تكون صادرات الغاز كافية لتمويل احتياجات الميزانية للبلاد، حتى إذا تم تحسين اتفاقية الأسعار مع المساهمين الأجانب في الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال، واستخدمت الأموال بأقصى قدر من الكفاءة لصالح السكان ككل.

مشاركة المقالة عبر:
المقالات المقترحة
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram