الشريط الإخباري

هرطقات في الأفق 

 

شوقي شاهر

 •ما هي العلمانية؟ ولماذا يتم تداولها حالياً على هذا النحو من الحدة والتسرع  من قبل قلة قليلة يبدو جلياً بأنها قد اختزلت هذه التجربة الإنسانية بما يسيئ إليها وذلك من خلال الدعوة إلى الإلحاد فقط؟.

 

بالنسبة لي فإن أول مايتبادر إلى ذهني  عن العلمانية هو أنها تعني فصل الدين عن الدولة ، كما أنني لم أدع  نفسي إلى التبحر في هكذا موضوع لا لشيء إلا لأنني على قناعة تامة بأن لديّ / نا منهج متكامل ومنافس ويحمل من التعاليم والمبادئ مايغني الإنسانية عن الالتفات إلى ما دونه من نظريات وتجارب وذلك في حال تم الأخذ بكافة مضامينه على نحو متكامل وغير إنتقائي ويتجسد ذلك في ديننا الإسلامي الحنيف الحريص كل الحرص على عدم الإكراه في اعتقاده أو إعتناقه مفسحاً المجال أمام الحريات الدينية إنطلاقا من قاعدة لكم دينكم ولي دين.

 

الشيء الذي ليس واضحا لديّ هو لما  كل تلك الهجمة حول الديانات وفي مثل هكذا توقيت من خلال أفراد لديهم تلك  المبررات والقناعات التي يبدو بانها  استدعت منهم  كل ذلك الحماس لمثل هكذا دعوات ، أجزم بأن دوافعها لا تتسق مع مبررات ظهور العلمانية في المجتمعات التي نشأت  فيها في  بداية الامر وهو الأمر  الذي ليس  بخاف على أحد.

ولذلك فإن السؤال الذي يتبادر إلى ذهني الآن هو هل تتوافق  تلك الدوافع والمبررات التي يسوقها أولئك اليوم ويسوّقون من خلالها  لما أسموه بالعلمانية هل هي  نفس تلك الدوافع التي صاحبت ظهورها لدى المجتمعات الغربية ؟ وهل كانت الدعوة إلى الإلحاد هي غاية ظهورها  وسنام وجودها حينذاك ؟

 

أنا عندما استمع لمبررات هؤلاء أجدها غير مقنعة تماماً، بل أجدها وكأنها موجهة فقط للنيل من  ثوابتنا الدينية ومجاراة لتوجهات تستهدف  الديانات السماوية عموماً والدين الإسلامي على وجه الخصوص.

إنني على قناعة بأن مثل هكذا محاولات لا خوف ولا قلق منها على الإطلاق ،كونها باتت مكشوفة ومازالت في إطار الدعوات  الفردية وذلك  على الرغم من انها تشكل خطوة في طريق ترسيخ مبادئها ومفاهيمها في أوساط مجتمع محافظ ومتدين إلى حد كبير وذلك على الرغم من وجود تجاوزات واختلالات لكنها لاتصل الى درجة المساس بالحدود أو بالذات الإلهية مثلاً.

أتذكر بأنني قد قرأت قبل سنوات عدة مقالاً مترجماً لكاتب لم أعد أتذكر إسمه خلاصته بأنه لايمكن القضاء على الاسلام بسهولة إلا من خلال وجود أجيال من بين أبنائه لا تؤمن به، ولأجل ذلك فقد دعا كاتب المقال إلى ضرورة إنتهاج إستراتيجية تتضمن خطوات القضاء على هذا الدين وذلك من خلال إثارة الصراعات والنعرات بين المذاهب والطوائف الإسلامية وتمتد لعقود قادمة وذلك حتى تظهر أجيال جديدة تعيش واقع هذا الصراع فتكفر بالدين وبما تدعو إليه تلك المذاهب والطوائف وتؤمن بالعلمانية والكفر بالديانات ليعيش العالم بسلام وذلك حسب زعم الكاتب.

غير أن الواقع الذي تعيشه بعض  بلداننا الإسلامية والصراعات نشاهدها اليوم بين أبناء البلد الواحد لتؤكد جميعها على ماتضمنه ذلك  المقال فهي في أساسها صراعات مذهبية وطائفية ويدعي أصحابها بأحقيتهم في تمثيل الدين وبأنهم على صواب فيما يعتبرون البقية فرق خارجة ومارقة عن الدين، فيما الحقيقة هي أنهم جميعا يهيمون بعيدا عن حقيقة وجوهر الدين الحنيف حتى أنه  ظهرت أمامنا أصوات تناهض العقيدة السمحاء بثوابتها ومبادئها المتفق عليها، وتتهكم الى جانب ذلك على الذات الإلهية بحجة الدعوة إلى العلمانية وهم بذلك قاصدين  الالحاد،  والترويج عبر ذلك لكل مايخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها.

 

إن من أهم عوامل التقدم هي تلك التي  تكون قائمة على العقلانية التي لاتتجاوز النص الإلهي ويضاف إلى ذلك العلمانية- بكسر العين- والتي إتخذت من العلم سبيلا ونهجاً ومنطلقا لتحقيق مثل هذا التقدم والتفوق  لدى الامم ، ومثل ذلك ما قامت به المجتمعات الغربية حين تخلصت من القيود التي فرضتها عليها الكنيسة والتي كانت تحارب العلم وهاجمت كل إشراقة فكرية أو علمية  كانت ستدفع بالمجتمعات الأوروبية نحو غد أفضل معتبرة بأن ذلك سوف يفقدها نفوذها وسيطرتها على تلك المجتمعات التي كانت ترزح تحت وطأتها وهمجيتها  لقرون عدة.

 

إن هذا الأمر يدعونا اليوم للمطالبة بالعِلمانية- بكسر العين - والتي تدعو إلى اتخاذ العلم سبيلاً ومنهجاً للحاق بركب الحضارة وهو مايدعو إليه ديننا الإسلامي الحنيف كونه السلطان الذي ننفذ من خلاله إلى اقطار السموات والأرض، أما تلك الأصوات التي باتت تتهافت على ماتسميه بالعلمانية -بفتح العين – فما أظنها  إلا هرطقات تلتزم بالقشور مبتعدة عن الجوهر المفيد للإنسانية جمعاء.

إن تلك الأصوات تعي ماتقول كما أنها تدرك  حجم الإختلاف في الدوافع والمبررات بين الدعوتين زماناً ومكانا.

 

وكون ديننا الإسلامي هو دين الفطرة فإننا لا نزكي أحداً على أحد ولكننا نقول لهم إبحثوا عن باب رزق أجمل وأفضل من هذا الباب الذي تطرقوه عن علمٍ أو جهلٍ ، والله أعلم.

مشاركة المقالة عبر:
المقالات المقترحة
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram